فصل: (سورة النور: آية 34):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وإن كاتبه على وصيف، جاز، لقلة الجهالة ووجب الوسط، وليس له أن يطأ المكاتبة، وإذا أدى عتق، وكان ولاؤه لمولاه، لأنه جاد عليه بالكسب الذي هو في الأصل له، وهذا الأمر للندب عند عامة العلماء.
وعن الحسن رضي اللّه عنه: ليس ذلك بعزم، إن شاء كاتب وإن شاء لم يكاتب.
وعن عمر رضي اللّه عنه: هي عزمة من عزمات اللّه.
وعن ابن سيرين مثله وهو مذهب داود خَيْرًا قدرة على أداء ما يفارقون عليه. وقيل: أمانة وتكسبا.
وعن سلمان رضي الله عنه أن مملوكا له ابتغى أن يكاتبه فقال: أعندك مال؟ قال: لا، قال: أفتأمرنى أن آكل غسالة أيدى الناس وَآتُوهُمْ أمر للمسلمين على وجه الوجوب بإعانة المكاتبين وإعطائهم سهمهم الذي جعل اللّه لهم من بيت المال، كقوله تعالى: {وَفِي الرِّقابِ} عند أبى حنيفة وأصحابه رضي اللّه عنهم. فإن قلت: هل يحل لمولاه إذا كان غنيا أن يأخذ ما تصدق به عليه؟ قلت. نعم. وكذلك إذا لم تف الصدقة بجميع البدل وعجز عن أداء الباقي طاب للمولى ما أخذه، لأنه لم يأخذه بسبب الصدقة، ولكن بسبب عقد المكاتبة كمن اشترى الصدقة من الفقير أو ورثها أو وهبت له، ومنه قوله صلى اللّه عليه وسلم في حديث بريرة: «هو لها صدقة ولنا هدية» وعند الشافعي رضي اللّه عنه: هو إيجاب على الموالي أن يحطوا لهم من مال الكتابة. وإن لم يفعلوا أجبروا. وعن على رضي اللّه عنه: يحط له الربع. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: يرضخ له من كتابته شيئا. وعن عمر رضي الله عنه أنه كاتب عبدا له يكنى أبا أمية، وهو أوّل عبد كوتب في الإسلام، فأتاه بأوّل نجم فدفعه إليه عمر رضي الله عنه وقال: استعن به على مكاتبتك فقال: لو أخرته إلى آخر نجم؟ قال: أخاف أن لا أدرك ذلك. وهذا عند أبى حنيفة رضي الله عنه على وجه الندب وقال: إنه عقد معاوضة فلا يجبر على الحطيطة كالبيع. وقيل: معنى وَآتُوهُمْ: أسلفوهم. وقيل: أنفقوا عليهم بعد أن يؤدوا ويعتقوا.
وهذا كله مستحب. وروى أنه كان لحويطب بن عبد العزى مملوك يقال له الصبيح: سأل مولاه أن يكاتبه فأبى، فنزلت. كانت إماء أهل الجاهلية يساعين على مواليهن، وكان لعبد اللّه بن أبىّ رأس النفاق ست جوار: معاذة، ومسيكة، وأميمة، وعمرة، وأروى، وقتيلة: يكرههن على البغاء وضرب عليهن ضرائب فشكت ثنتان منهن إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فنزلت. ويكنى بالفتى والفتاة: عن العبد والأمة.
وفي الحديث: «ليقل أحدكم فتاي وفتأتي، ولا يقل عبدى وأمتى» والبغاء: مصدر البغي. فإن قلت: لم أقحم قوله: {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} قلت: لأن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصن، وآمر الطيعة الموانية للبغاء لا يسمى مكرها ولا أمره إكراها.
وكلمة إِنْ وإيثارها على إذا إيذان بأن المساعيات كنّ يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حين الشاذ النادر {غَفُورٌ رَحِيمٌ} لهم أو لهن. أو لهم ولهنّ إن تابوا وأصلحوا.
وفي قراءة ابن عباس: {لهن غفور رحيم}.
فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهنّ، لأن المكرهة على الزنى بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل، أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو، من ضرب عنيف أو غيره حتى تسلم من الإثم، وربما قصرت عن الحدّ الذي تعذر فيه فتكون آثمة.

.[سورة النور: آية 34]:

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}.
{مُبَيِّناتٍ} هي الآيات التي بينت في هذه السورة وأوضحت في معاني الأحكام والحدود. ويجوز أن يكون الأصل مبينا فيها فاتسع في الظرف. وقرئ بالكسر، أي: بينت هي الأحكام والحدود، جعل الفعل لها على المجاز. أو من بين بمعنى تبين.
ومنه المثل قد بين الصبح لذي عينين. {وَمَثَلًا مِنَ} أمثال من {قَبْلِكُمْ} أي قصة عجيبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم، يعنى قصة عائشة رضي الله عنها {وَمَوْعِظَةً} ما وعظ به في الآيات والمثل، من نحو قوله: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}.
يعني آثاره ومسالكه {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} يعني بالقبائح من الأقوال والأفعال وكل ما يكره الله عزّ وجلّ والآية عامة في حق كل أحد لأن كل مكلف ممنوع من ذلك {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدًا} يعني ما طهر ولا صلح والآية عند بعض المفسرين على العموم قالوا أخبر الله تعالى أنه لولا فضله ورحمته بالعصمة ما صلح منكم أحد وقيل الخطاب للذين خاضوا في الإفك ومعناه ما طهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل.
وهذا قول ابن عباس قال معناه ما قبل توبة أحد منكم أبدًا {ولكن الله يزكي} يعني يظهر {من يشاء} من الذنب بالرحمة والمغفرة {والله سميع} يعني لأقوالكم {عليم} يعني بما في قولكم.
قوله: {ولا يأتل} يعني ولا يحلف من الألية وهي القسم {أولوا الفضل منكم والسعة} يعني الغنى يعني أبا بكر الصديق {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله} يعني مسطحًا وكان مسكينًا مهاجرًا بدريًا ابن خالة أبي بكر الصديق حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه فأنزل الله هذه الآية {وليعفوا وليصفحوا} يعني عن خوض مسطح في أمر عائشة {ألا تحبون} يخاطب أبا بكر {أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فلما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال بل أنا أحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح بنفقته التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبدًا.
وفي الآية أدلة على فضل أبي بكر الصديق لأن الفضل المذكور في الآية ذكره تعالى في معرض المدح وذكره بلفظ الجمع في قوله أولوا الفضل وقوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم وهذا يدل على علو شأنه ومرتبته منها أنه احتمل الأذى من ذوي القربى ورجع عليه بما كان ينفقه عليه وهذا من أشد الجهاد لأنه جهاد النفس.
ومنها أنه تعالى قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم {فاعف عنهم واصفح} وقال في حق أبي بكر: {وليعفوا وليصفحوا} فدل أن أبا بكر كان ثاني اثنين لرسول الله صلى الله عليه سلم في جميع الأخلاق.
وفي الآية دليل على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير ويكفّر عن يمينه ومنه الحديث الصحيح: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه» قوله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات} يعني العفائف {الغافلات} يعني عن الفواحش والغافلة، عن الفاحشة هي التي لا يقع في قلبها فعل الفاحشة وكذلك كانت عائشة {المؤمنات} وصفها بالمؤمنات لعلو شأنها {لعنوا} يعني عذبوا {في الدنيا} بالحد {والآخرة} يعني وفي الآخرة بالنار {ولهم عذاب عظيم} وهذا في حق عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، وروي عن حصيف قال قلت لسعيد بن جبير من قذف مؤمنة يلعنه الله في الدنيا والآخرة قال ذاك لعائشة وأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات ليس في ذلك توبة ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرأ {والذين يرمون المحصنات} إلى قوله تابوا فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأولئك توبة وقيل بل لهم توبة أيضًا للآية {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} هذا قبل أن يختم على أفواههم {وأيديهم وأرجلهم} يروي أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا وهو قوله: {بما كانوا يعملون يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق} يعني جزاءهم الواجب وقيل حسابهم العدل {ويعلمون أن الله هو الحق المبين} يعني الموجود الظاهر الذي بقدرته وجود كل شيء وقيل معناه يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا وقال ابن عباس وذلك أن عبد الله بن أبي ابن سلول كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين.
قوله عزّ وجلّ: {الخبيثات للخبيثين} قال أكثر المفسرين معنى الخبيثات الكلمات والقول للخبيثين من الناس ومثله {والخبيثون} أي من الناس {للخبيثات} من القول {والطيبات} أي من القول ومعنى الآية أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس.
والطيب من القول لا يليق إلا بالطيب من الناس وعائشة لا يليق بها.
الخبيث من القول لأنها طيبة فيضاف إليها طيب القول من الثناء والمدح وما يليق بها وقيل معناه لا يتكلم بالخبيث إلى الخبيث من الرجال والنساء وهذا ذم للذين قذفوا عائشة ولا يتكلم بالطيب من القول إلا الطيب من الرجال والنساء.
وهذا مدح للذين يرونها بالطاهر والمدح لها وقيل معنى الآية الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء أمثال عبد الله بن أبي المنافق والشاكين في الدين والطيبات من النساء {للطيبين والطيبون للطيبات} يريد عائشة طيبها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم {أولئك مبرؤون} يعني عائشة وصفوان ذكرهما الله بلفظ الجمع منزهون {مما يقولون} يعني أصحاب الإفك {لهم مغفرة} أي عفو لذنوبهم {ورزق كريم} يعني الجنة روي أنّ عائشة كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها منها أن جبريل عليه السلام أتى بصورتها في سرفة حرير وقال هذه: زوجتك.
وروي أنه أتى بصورتها في راحته.
ومنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرًا غيرها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها وفي يومها ودفن في بيتها وكان ينزل عليه الوحي وهي معه في اللحاف ونزلت براءتها من السماء وأنها ابنة الصديق وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقًا كريمًا.
وكان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول حدثتني الصديقة بنت الصدّيق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا} أي تستأذنوا وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا ويقال تستأنسوا خطأ من الكاتب ونفي هذه الرواية نظر لأن القرآن ثبت بالتواتر والاستئناس في اللغة الاستئذان.
وقيل الاستئناس طلب الإنس وهو أن ينظر هل في البيت إنسان فيؤذنه إني داخل وقيل هو من آنست أي أبصرت وقيل هو أن يتكلم بتسبيحة أو يتنحنح حتى يعرف أهل البيت {وتسلموا على أهلها} بيان حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد الاستئذان والسلام.
واختلفوا في أيهما يقدم فقيل يقدم الاستئذان فيقول أدخل سلام عليكم كما في الآية من تقديم الاستئذان قبل السلام.
وقال الأكثرون يقدم السلام فيقول سلام عليكم أأدخل وتقدير حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا وكذا هو في مصحف ابن مسعود وروي عن كند بن حنبل قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم: ولم أسلّم ولم أستأذن فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ارجع فقل السلام عليكم أأدخل» أخرجه أبو داود والترمذي وعن ربعي بن حراش قال جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في البيت فقال ألج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل» فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم أأدخل فأذن له رسول الله صلى الله عليه سلم أخرجه أبو داود ق عن أبي سعيد وأبيّ ابن كعب عن أبي موسى قال أبو سعيد: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت قال ما منعك قلت استأذنت ثلاثًا فلم يؤذن لي فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع» قال والله لتقيمن عليه بينة أمنكم أحد سمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم قال أبي بن كعب فوالله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
قال الحسن الأول إعلام والثاني مؤآمرة والثالث استئذان بالرجوع عن عبد الله بن بسر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم السلام عليكم وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذٍ ستور أخرجه أبو داود وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن» أخرجه أبو داود وقيل إذا وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلاّ قدم الاستئذان ثم يسلم.